{وَسْئَلْهُمْ} يا محمد توبيخا عما وقع لأهل القرية {عَنِ الْقَرْيَةِ} هي أيلة، وخليج أيلات معروف اليوم وقيل: مدين، وقيل: طبرية، والمراد بالقرية: أهلها، والعرب تسمى المدينة قرية، وعن أبي عمرو بن العلاء: ما رأيت قرويين أفصح من الحسن والحجاج، يعني رجلين من أهل المدن {حاضِرَةَ الْبَحْرِ} قريبة مجاورة للبحر الأحمر (بحر القلزم) على شاطئه، وهي أيلة {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} يعتدون ويتجاوزون حد الله فيه، وهو اصطيادهم في يوم السبت، وقد نهوا عنه. و {السَّبْتِ}: مصدر سبتت اليهود: إذا عظمت سبتها بترك الصيد وغيره من الأعمال، والاشتغال بالعبادة، والمعنى: يعدون في تعظيم السبت. وكذلك قوله:{يَوْمَ سَبْتِهِمْ} معناه يوم تعظيمهم أمر السبت.
{حِيتانُهُمْ} سمكهم، وأكثر ما تستعمل العرب الحوت في معنى السمكة {شُرَّعاً} ظاهرة على الماء {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ} لا يعظمون السبت أي سائر الأيام {لا تَأْتِيهِمْ} ابتلاء من الله {كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ} أي مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم، ومعنى {نَبْلُوهُمْ} نختبرهم.
ولما صادوا السمك يوم السبت بحيلة حجزه وراء حواجز يوم الجمعة، افترقت القرية أثلاثا: ثلث صادوا معهم، وثلث نهوهم، وثلث أمسكوا عن الصيد والنهي.
{وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ} معطوف على {إِذْ} قبله، والأمة منهم: الجماعة منهم وهي التي لم تصد ولم تنه كمن نهى {قالُوا: مَعْذِرَةً} أي موعظتنا معذرة نعتذر بها إلى الله، لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي، أي قياما منا بعذر أنفسنا عند ربنا بقصد التنصل من الذنب {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الصيد.
{فَلَمّا نَسُوا} تركوا {ما ذُكِّرُوا بِهِ} وعظوا به، أي تركوه ترك الناس، وأعرضوا عنه إعراضا تاما، فلم يرجعوا عن المخالفة {السُّوءِ} العمل الذي تسوء عاقبته {بَئِيسٍ} شديد، مأخوذ من البأس وهو الشدة، أو من البؤس وهو المكروه {يَفْسُقُونَ} يخرجون عن الطاعة.
{عَتَوْا} تكبروا عن ترك ما نهوا عنه {خاسِئِينَ} صاغرين. أما الفرقة الساكتة فقال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة. وقال عكرمة: لم تهلك؛ لأنها كرهت ما فعلوه، وقالت:
{لِمَ تَعِظُونَ}؟ وروى الحاكم عن ابن عباس: أنه رجع إلى قول عكرمة وأعجبه.
المناسبة:
تذكر الآيات نوعا آخر من مخالفات اليهود وعصيانهم، فبعد أن ذكرت قصتهم في دخول القرية، ذكرت قصة احتيالهم على صيد الأسماك. وقد ذكرت