أردف ذلك بالإنكار على الكفار والمشركين من قريش، ووصفهم بأنهم في غمرة من هذا الذي بيّن في القرآن، أو من وصف المشفقين، وأن لهم أعمالا أخرى أسوأ في الكفر والعصيان، كالشرك والطعن في القرآن، والاستهزاء بالنبي صلّى الله عليه وسلم، وإيذاء المؤمنين.
وبعد أن بين أنه لا ينصر أولئك الكفار، أتبعه بعلة ذلك، وهي أنه متى تليت عليهم آيات القرآن، أتوا بأمور ثلاثة: هي النفور والإعراض عن تلك الآيات وعن تاليها، والاستكبار بالبيت العتيق أو الحرم قائلين:«لا يظهر علينا أحد؛ لأنا أهل الحرم» والسمر بذكر القرآن والطعن فيه.
ولما زيّف طريقة القوم، أتبعه ببيان صحة ما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقال:
{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} ولكن الكفار تنكبوا عن هذا الطريق وعدلوا عنه، وقد أنذرهم ربهم بإحلال العذاب عليهم بالقتل يوم بدر، والجوع وغير ذلك، فما خضعوا ولا انقادوا لربهم، وتمادوا في ضلالهم، وهم متحيرون.
التفسير والبيان:
{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا} أي بل قلوب الكفار والمشركين في غفلة وضلالة من هذا البيان الشافي في القرآن، ومن هدايته لأقوم الطرق، وإسعاده للناس في دنياهم وآخرتهم.
{وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ، هُمْ لَها عامِلُونَ} أي ولهم أعمال سيئة منكرة غير ذلك أي غير الغفلة والجهل وهو الشرك والطعن في القرآن وإيذاء النبي صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين، هم لها عاملون قطعا في المستقبل. وإنما قال ذلك؛ لأن تلك الأعمال مثبتة في علم الله وفي اللوح المحفوظ ومكتوبة مسجلة عليهم سلفا، لإحاطة علم الله بها، وعلم الله لا يتغير.