وهو الجدال بالباطل. {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى} رأى محمد جبريل على صورته الحقيقية مرة أخرى. {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} أعلى مكان في السماء، ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم، شبّهت بالسدرة: وهي شجرة النبق، لأنهم يجتمعون في ظلها. {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى} الجنة التي تأوي إليها أرواح المؤمنين المتقين. {إِذْ} حين. {يَغْشَى} يغطي ويستر. {ما يَغْشى} تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يحيط بها وصف ولا عدد. {ما زاغَ الْبَصَرُ} ما مال بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه.
{وَما طَغى} وما تجاوز ما أمر به تلك الليلة. {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} أي رأى في تلك الليلة-ليلة المعراج-بعض آيات ربه العظمى، وعجائب الملكوت، كرؤية جبريل حينما سدّ أفق السماء بما له من ست مائة جناح.
التفسير والبيان:
{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى} أي أقسم بالنجم أي بالنجوم عند ما تميل للغروب، إذ بالميل إلى الأفق تعرف الجهات، ما عدل محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق، وما صار غاويا متكلما بالباطل، وقيل:
النجم: الثريا إذا سقطت مع الفجر. روى ابن أبي حاتم عن الشعبي وغيره قال:
الخالق يقسم بما شاء من خلقه، والمخلوق لا ينبغي له أن يقسم إلا بالخالق.
وقد عرض الرازي مقارنة في المقسم به والمقسم عليه بين هذه السورة والسور المتقدمة، فذكر أن السور التي تقدمت وهي والصافات والذاريات والطور وهذه السورة كان القسم فيها بالأسماء دون الحروف، أقسم الله في الأولى لإثبات الوحدانية:{إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ}. وفي الثانية لإثبات الحشر والجزاء:{إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ}. وفي الثالثة لإثبات دوام العذاب بعد وقوعه يوم القيامة:
{إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ، ما لَهُ مِنْ دافِعٍ}. وفي هذه السورة لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فاكتملت الأصول الثلاثة: الوحدانية، والحشر، والنبوة (١).
ويلاحظ أن القسم على الوحدانية والنبوة قليل في القرآن، والقسم على إثبات البعث كثير، كما في سورة الذاريات، والطور، {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى}،