بعد بيان أمر المشركين ومطالبهم التعجيزية وسوء أعمالهم، ثم مخاطبة المؤمنين بقوله تعالى:{يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} ذكر تعالى ما يكون إرشادا للمشرك إذا فكر وتأمل، بأسلوب أدبي رفيع تضمن نصح المفسد أولا، ثم مخاطبة الرشيد، ليسمع المفسد، على طريقة:(إياك أعني واسمعي يا جارة)، وكأن المتكلم يقول: إن هذا لا يستحق الخطاب، فاسمع أنت، ولا تكن مثل هذا المفسد، فيتضمن هذا الكلام نصيحة المصلح، وزجر المفسد، ودعوته إلى سبيل الرشاد، وهو الإقرار بوحدانية مبدع العالم، وخالق السماء والأرض وما فيهما، ورازق المخلوقات، ومحيي الأرض بعد موتها.
التفسير والبيان:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، لَيَقُولُنَّ: اللهُ، فَأَنّى يُؤْفَكُونَ} أي والله لئن سألت يا محمد المشركين بالله: من الذي أوجد وأبدع السموات وما فيها من الكواكب النيّرات، والأرض وما حوته من كنوز ومعادن، وذلّل الشمس والقمر يجريان لمصالح الخلق، وأدى ذلك إلى تعاقب الليل والنهار، لو سألتهم لأجابوا بأن المستقل بالخلق والإيجاد هو الله عز وجل.
وإذ أقروا بذلك واعترفوا، فكيف يصرفون عن توحيد الله وإخلاص العبادة له؟! فإن الاعتراف بأن الله هو الخالق يمنع المشركين من عبادة إله آخر سواه، أو اتخاذ شريك معه، والاعتراف بتوحيد الربوبية الصادر من المشركين بقولهم:«لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك» يقتضي الإقرار بتوحيد الألوهية، وكثيرا ما يذكر الله تعالى توحيد الألوهية بعد الاعتراف بتوحيد الربوبية.