{لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ، وَوالِدٍ وَما وَلَدَ} أي أقسم بالبلد الحرام وهو مكة، تنبيها على كرامة أم القرى وشرفها عند الله تعالى؛ لأن فيها بيته الحرام قبلة المسلمين، وهي بلد إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وفيها مناسك الحج. وقوله:{لا أُقْسِمُ} قسم مؤكد وليس نفيا للقسم، كقول العرب: لا والله لا فعلت كذا، ولا والله ما كان كذا، ولا والله لأفعلن كذا.
أقسم بهذا البلد في حال كون الساكن فيها حلالا مقيما بها وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم وكل من دخله:{وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}[آل عمران ٩٧/ ٣] تشريفا لك، وتعظيما لقدرك؛ لأنه قد صار بإقامتك فيه عظيما شريفا، ولا شك أن الأمكنة تشرف بأهلها. والحل: الحلال.
ورد في الحديث المتفق على صحته:«إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
والمراد أن مكة عظيمة القدر في كل حال، حتى في حال اعتقاد الكفار أنك حلال لا حرمة لك، فلا يرون لك من الحرمة ما يرونه لغيرك. وفي هذا تقريع وتوبيخ لهم.
وأقسم بكل والد ومولود من الإنسان والحيوان، تنبيها على عظم آية التناسل والتوالد، ودلالتها على قدرة الله وحكمته وعلمه.
ثم ذكر المقسم عليه، فقال:
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} أي لقد خلقنا الإنسان مغمورا بالتعب والنصب، وفي مكابدة المشاقّ والشدائد، فهو لا يزال في تلك المكابدة بدءا من