{يُزْجِي} يجري ويسيّر، والأصل فيه أنه يسوق حينا بعد حين. {الْفُلْكَ} السفن.
{لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} تطلبوا من فضله تعالى بالتجارة و {فَضْلِهِ}: هو رزقه. {إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً} في تسخيرها لكم، وتهيئة ما تحتاجون إليه، وتسهيل ما تعسر من الأسباب. {الضُّرُّ} الشدة أو خوف الغرق بتقاذف الأمواج. {ضَلَّ} غاب عنكم وعن ذاكرتكم. {مَنْ تَدْعُونَ} تعبدون من الآلهة، فلا تدعونه {إِلاّ إِيّاهُ} تعالى، فإنكم تدعونه وحده؛ لأنكم في شدة لا يكشفها إلا هو. {فَلَمّا نَجّاكُمْ} من الغرق. {أَعْرَضْتُمْ} عن الإيمان والتوحيد {كَفُوراً} جحودا للنعم، والمراد بالإنسان الكفار.
{أَفَأَمِنْتُمْ} أي أنجوتم فأمنتم، فأعرضتم، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق، قادر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره. {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ} أي يقلبه الله وأنتم عليه، أو يقلبه بسببكم، كما فعل بقارون، والخسف: انهيار الأرض. وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل، كفروا وأعرضوا، وإن الجوانب والجهات في قدرته سواء، لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك.
{أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً} أي يرميكم بالحصباء والحجارة كقوم لوط، والمراد: الريح الشديدة الحاصبة، وهي التي ترمي بالحصى الصغيرة. {وَكِيلاً} حافظا منه. {أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ} في البحر. {تارَةً أُخْرى} مرة ثانية. {قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ} أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته فهي تكسر الشجر وغيره.
والخلاصة: إن الحاصب: الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء، والقاصف: الريح التي تقصف الشجر وغيره وتكسره أو هي الريح الشديدة الصوت. {بِما كَفَرْتُمْ} بكفركم. {تَبِيعاً} ناصرا ومعينا وتابعا يطالبنا بما فعلنا بكم.
{كَرَّمْنا} فضلنا. {بَنِي آدَمَ} بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة، والتمييز بالعقل والعلم، والإفهام بالنطق والإشارة، والاهتداء إلى أسباب المعاش والمعاد، والتسلط على ما في الأرض، والتمكن من الصناعات، والطهارة بعد الموت، أي أن التكريم بالخلق في أحسن تقويم، وبالعقل أداة العلم والمعرفة والتقدم والتمدن. {وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ} أركبناهم في الماضي والحاضر على الدواب، وفي الحاضر على السيارات والطائرات ونحوها. {وَالْبَحْرِ} على السفن. {الطَّيِّباتِ} المستلذات. {وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا} كالبهائم والوحوش، ومن: بمعنى ما، أو بمعناها الأصلي وتشمل الملائكة، والمراد تفضيل الجنس، ولا يلزم منه تفضيل أفراده، إذ الملائكة أفضل من البشر غير الأنبياء. والمراد: فضلناهم بالغلبة والاستيلاء، أو بالشرف والكرامة.