{وَما كُنّا عَنِ الْخَلْقِ} أي المخلوقات التي منها السموات السبع {غافِلِينَ} مهملين أمرها، بل نحفظها من الزوال والاختلال، وندبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدّر لها من الكمال، بحسب الحكمة والمشيئة الإلهية، وهذا كقوله تعالى:{وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ}[الحج ٦٥/ ٢٢].
{وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً} السماء هنا: السحاب {بِقَدَرٍ} أي بمقدار معلوم، وهو مقدار كفايتهم {فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ} أي جعلناه ثابتا مستقرا فيها {ذَهابٍ بِهِ} أي على إزالته، إما بتغويره في الأرض بحيث يتعذر إخراجه، أو بتغيير صفة المائية إلى عنصر آخر {لَقادِرُونَ} أي كما كنا قادرين على إنزاله، وحينئذ يموتون مع دوابهم عطشا {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ} هما أكثر فواكه العرب {لَكُمْ فِيها} في الجنات {وَمِنْها تَأْكُلُونَ} أي ومن الجنات تأكلون ثمارها وزروعها، صيفا وشتاء.
{وَشَجَرَةً} أي وأنشأنا شجرة هي شجرة الزيتون {طُورِ سَيْناءَ} جبل موسى بين مصر وأيلة، وقيل: إنه بفلسطين، فهو جبل الطور الذي ناجى فيه موسى ربه، ويسمى طور سينين أيضا {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} معطوف على الدهن، أي إدام يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للائتدام، وهو زيت الزيتون.
{الْأَنْعامِ} الإبل والبقر والغنم {لَعِبْرَةً} عظة تعتبرون بها {مِمّا فِي بُطُونِها} أي اللبن {مَنافِعُ كَثِيرَةٌ} من الأصواف والأوبار والأشعار وغير ذلك {وَمِنْها تَأْكُلُونَ} أي من الأنعام تأكلون، فتنتفعون بأعيانها {وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أي في البر والبحر.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى النوع الأول من دلائل قدرته وهو خلق الإنسان، أتبعه بذكر أنواع ثلاثة أخرى من تلك الدلائل وهي خلق السموات السبع، وإنزال الماء من السماء وتأثيره في إنبات النبات، ومنافع الحيوانات وهي هنا أربعة أنواع: الانتفاع بالألبان، وبالصوف، وباللحوم، وبالركوب، وذلك كله مما يحتاج إليه الإنسان في بقائه.