{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً} أي ما يتخذونك إلا موضع هزء أو مهزوءا به {أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً} هناك محذوف تقديره: يقولون، أو قائلين: أهذا الذي بعث الله رسولا في دعواه، والاستفهام للاستهزاء والتقدير، والإشارة للاستحقار وعدم تأهله للرسالة في زعمهم. {إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا..}. يصرفنا و {إِنْ} مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، أي إنه قارب إضلالنا، وصرفنا عن آلهتنا بفرط اجتهاده في الدعوة إلى التوحيد، لولا أننا ثبتنا على عبادة آلهتنا. وهذا اعتراف صريح من المشركين بأن محمدا بلغ الغاية في الدعوة إلى ربه.
{وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ} عيانا في الآخرة، وهذا كالجواب عن قولهم:{إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا} فإنهم نسبوا الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى الضلال، وفيه وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه، وإن طالت مدة الإمهال، ولا بد للوعيد أن يلحقهم، فلا يغرنهم التأخير، وسينزل بهم العقاب ويعرفون حينئذ من أخطأ طريقا، أهم أم المؤمنون؟! {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} أخبرني عمن جعل هواه إلهه، بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة، ولا يبصر دليلا {وَكِيلاً} حافظا تحفظه عن اتباع هواه أي مهويه، وتمنعه عن الشرك والمعاصي، وحاله هذا؟ لا، فالاستفهام الأول للتقرير والتعجيب، والثاني للإنكار.
{أَمْ تَحْسَبُ} بل أتحسب {أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} سماع تفهم {أَوْ يَعْقِلُونَ} ما تقول لهم، فتجديهم الآيات أو الحجج، فتهتم بشأنهم وتطمع في إيمانهم، وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق بالإضراب عنه إليه {إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ} أي ما هم إلا كالسوائم في عدم انتفاعهم بقرع الآيات {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} أبعد عن الحق طريقا منها؛ لأنها تنقاد لمن يتعهدها بالرعاية، وهم لا يطيعون مولاهم وخالقهم المنعم عليهم بنعم كثيرة، ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار.
سبب النزول:
نزول الآية (٤١):
روي أن هذه الآية نزلت في أبي جهل، فإنه كان إذا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع صحبه قال مستهزئا:{أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً}؟.