للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير والبيان:

إن شأن المنافقين في كل أمة عجيب وغريب، ديدنهم تثبيط‍ الهمم، وتدمير القيم، فلا يسلم أحد من طعنهم، ولو كان العمل خيرا محضا؛ فهم يعيبون المتطوعين في الصدقات، والمراد بها هنا النوافل، سواء أكان المتطوع غنيا يأتي بالكثير كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، أم فقيرا كأبي عقيل، الذي يأتي بالقليل، وهو جهد المقلّ، فلا يجدون ما ينفقونه في سبيل الله إلا غاية جهدهم ومنتهى طاقتهم، فيهزءون منهم، وذكر هؤلاء، وإن كانوا داخلين في المتطوعين؛ لأن السخرية منهم كانت أشد وأوقع.

ولكن الله تعالى سخر منهم، أي جازاهم على سخريتهم بمثل ذنبهم، حيث صاروا إلى النار، فقوله: {سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ} من باب المقابلة أو المشاكلة على سوء صنيعهم، واستهزائهم بالمؤمنين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فعاملهم معاملة من سخر منهم، انتصارا للمؤمنين في الدنيا.

وأعد للمنافقين في الآخرة عذابا شديدا مؤلما؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

ثم أبان الله تعالى أنهم كالكفار ليسوا أهلا للاستغفار، ولا ينفعهم الدعاء، فسواء استغفر لهم الرسول أو لم يستغفر لهم، فلن يستر الله عليهم ذنوبهم بالعفو عنها، وترك فضيحتهم بها، وإنه لو استغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ولن يعفو عنهم، وذلك نظير قوله تعالى: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [المنافقون ٦/ ٦٣].

وليس المراد بالسبعين هنا التحديد بعدد معين، فيكون ما زاد عليها بخلافها، وإنما المراد المبالغة في الكلام بحسب أسلوب العرب.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إظهارا لرحمته بالأمة، ولطلبهم الاستغفار منه، يدعو الله لهم بالهداية، ويستغفر لهم، كما كان يدعو للمشركين كلما اشتد إيذاؤهم له،

<<  <  ج: ص:  >  >>