بعد بيان أدلة الآفاق من إرسال الرياح وإنزال المطر على الوحدانية، ذكر تعالى دليلا آخر عليها من الأنفس، وهو خلق الآدمي ومروره بأدوار مختلفة تحتاج إلى العلم والقدرة الشاملة، وذلك لا يتصف بهما غير الله عز وجل.
التفسير والبيان:
{اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} أي إن الله تعالى هو الذي جعل الإنسان يمر في أطوار متفاوتة من الخلق حالا بعد حال، فجعل أصله من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم كون عظامه، ثم كسا العظام لحما، ونفخ فيه الروح، ثم أخرجه من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى، فقوله {مِنْ ضَعْفٍ} أي ابتدأه ضعيفا.
ثم يشبّ قليلا قليلا فيكون صغيرا، ثم شابا بالغا، وهذا دور القوة بعد الضعف، ثم يأتي دور الضعف من ابتداء الكهولة إلى الهرم والشيخوخة، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمة والحركة وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة.
هذا الانتقال والتدرج والتحول من حال إلى حال دليل على القدرة الإلهية الخالقة، وبرهان على البعث الذي ينكره المشركون، فإن القادر على هذا التغيير والتبديل قادر على الإعادة مرة أخرى إلى الحياة الأولى كما كانت؛ لأن من كانت قدرته تامة شاملة لا يصح مقارنتها بقدرة الإنسان النسبية، ولا يعجزه شيء، سواء في بدء الخلق أم حال إعادته.
{يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} أي يفعل الله ما يشاء، ويوجد ويبدع ما يشاء من ضعف وقوة، وبدء وإعادة، ويتصرف في عبيده بما يريد،