للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حلّل القرآن الكريم نفسيتهم فقال تعالى:

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} (١) أي أن ترددهم وذبذبتهم بين قبول حكم النبي صلّى الله عليه وسلم تارة والإعراض عنه تارة أخرى لأحد الأسباب التالية: وهي إما أنهم مرضى القلوب بالكفر والنفاق، والمرض ملازم لهم، وإما أنهم شكوا في الدين وفي نبوته صلّى الله عليه وسلم، وإما أنهم يخافون أن يجور الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم عليهم في الحكم.

وأيا كان هو السبب فهو كفر محض، والله عليم بكل منهم وبصفاتهم. لذا قال تعالى: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} أي بل هم الظالمون الفاجرون، يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم، لا أنهم يخافون أن يحيف الرسول صلّى الله عليه وسلم عليهم؛ لمعرفتهم بأمانته وعدله في حكمه وصونه عن الجور.

فقه الحياة أو الأحكام:

الإيمان بالمبدأ أو الاعتقاد لا يعرف إلا واجهة واحدة هي واجهة الصراحة في القول، والحزم والجزم بالعقيدة، ومطابقة القول العمل. أما أولئك المنافقون في صدر الإسلام وفي كل عصر الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، فهم كفرة جبناء يطعنون في الإسلام من الخلف، ويريدون في الواقع هدمه، والتنصل من أحكامه وقواعده.

وهذه صورة مخزية لهم عرضها القرآن الكريم، تراهم إذا أحسوا بأن الحق في جانبهم قبلوا بحكم النبي صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه كما أثبت الواقع لا يحكم إلا بالحق. وإن عرفوا


(١) كلمة أم للاستفهام، وهو غير جائز على الله تعالى، والمراد به الإخبار عنهم، كقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ومعناه إثبات أنهم كذلك، ولو كان الاستفهام على حقيقته لكان ذما لهم، وإنما أتى بالاستفهام في الآية لأنه أبلغ في التوبيخ والذم.

<<  <  ج: ص:  >  >>