{وَمَكَرُوا} المكر: تدبير خفي يفضي بالممكور به إلى ما لم يكن يحتسب، وغلب استعماله في التدبير السيء. {وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أعلمهم به وأعرفهم بالتدابير، وهو المجازي على المكر.
وكان مكر كفار بني إسرائيل بعيسى: أن وكلوا به من يقتله غيلة، ولكن الله ألقى شبه عيسى على من قصد قتله، فقتلوه، ورفع عيسى إلى السماء.
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} التوفي: أخذ الشيء وافيا تاما، ثم استعمل بمعنى الإماتة، كما قال تعالى:
{اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}[الزمر ٤٢/ ٣٩] فمعنى {مُتَوَفِّيكَ} قابضك. {وَرافِعُكَ إِلَيَّ} من الدنيا من غير موت، فإذا كان عيسى حيا حين الرفع كان في الآية تقديم وتأخير، وتقديره: أني رافعك إليّ ومتوفيك، والواو لا تدل على الترتيب. وقيل: معنى: إني متوفيك:
قابضك ورافعك إلي، أي إلى كرامتي.
{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} مبعدك، وتطهيره من الذين كفروا: براءته مما كانوا يزمونه به بتهمة أمه بالزنا. {وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ} صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بك وهم اليهود، والفوقية بمعنى العلو عليهم بالحجة والسيف. {فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} يشمل المسيح والمختلفين معه والاختلاف بين أتباعه والكافرين به.
{عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا} بالقتل والسبي والجزية {وَالْآخِرَةِ} بالنار {ناصِرِينَ} مانعين منه {وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ} أي يعاقبهم {ذلِكَ} المذكور من أمر عيسى {نَتْلُوهُ} نقصه {وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} المحكم أي القرآن.
سبب النزول:
نزول الآية (٥٨):
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم راهبا نجران، فقال أحدهما: من أبو عيسى؟ وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يعجل حتى يؤامر ربه، فنزل عليه {ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} إلى قوله {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. وسيأتي بيان روايات أخرى في بيان سبب نزول آية:{إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} إلى قوله {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى معجزات وخصائص عيسى عليه السلام، ذكر هنا