بعد تخويف الكفار بأهوال يوم القيامة وشدائدها، خوّفهم تعالى وهددهم بما في قدرته من القهر، ففيه الكفاية بالجزاء لمن يكذب بالقرآن، ثم أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالصبر، ونهاه عن الضجر في أمر التبليغ كحال يونس عليه السالم، ثم أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم عن حسد قومه، وحرصهم على إيقاع المكروه به بعد أن صبّره وشجعه، ثم أعلم الناس قاطبة أن القرآن عظة للجن والإنس جميعا، يتلقاه أهل العقول والأفهام، وليس المجانين كما زعموا.
التفسير والبيان:
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي دعني وإياهم، وخلّ بيني وبينهم، واترك أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن، فأنا أكفيك أمرهم، وأعلم كيف أجازيهم، فلا تشغل قلبك بشأنهم، فإنا سنأخذهم بالعذاب على غفلة، ونسوقهم إليه درجة فدرجة، حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج؛ لأنهم يظنونه إنعاما، ولا يفكرون في عاقبته، وما سيلقون في نهايته. وهذا تهديد شديد، وتسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
فهم لا يشعرون أن الإنعام استدراج، بل يعتقدون أن ذلك من الله تعالى كرامة، وهو في الأمر نفسه إهانة كما قال تعالى:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ؟ بَلْ لا يَشْعُرُونَ}[المؤمنون ٥٥/ ٢٣ - ٥٦] وقال سبحانه: {فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام ٤٤/ ٦].
وقال الله تعالى هنا:
{وَأُمْلِي لَهُمْ، إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي أمهلهم وأؤخرهم ليزدادوا إثما، ويتورطوا، فإن تدبيري وكيدي لأهل الكفر قوي شديد، فلا يفوتني شيء لكل