أثبتت الآيات أن أكثر اليهود وأكثر النّصارى مشركون؛ لأنهم نسبوا الابن لله، مقلّدين في ذلك من سبقهم من الكفار كمشركي العرب الذين كانوا يقولون:
الملائكة بنات الله، ولا عبرة بإنكار اليهود ذلك، فإن حكاية الله عنهم أصدق، ولعلّ هذا المذهب كان فاشيا فيهم، ثم انتهى.
وقال ابن العربي: في هذا دليل من قول ربّنا تبارك وتعالى على أن من أخبر عن كفر غيره-الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به-لا حرج عليه؛ لأنه إنما ينطق به على معنى الاستعظام له، والردّ عليه، فلا يمنع ذلك منه، ولو شاء ربّنا ما تكلّم به أحد، فإذا مكّن من إطلاق الألسن به، فقد أذن بالإخبار عنه؛ على معنى إنكاره بالقلب واللسان، والرّدّ عليه بالحجّة والبرهان (١).
وقد كذّبهم الله تعالى بقوله:{ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ} أي أنه قول ساقط باطل لا يتجاوز الفم، ولعنهم بقوله:{قاتَلَهُمُ اللهُ} قال ابن عباس: كلّ شيء في القرآن قتل فهو لعن.
ثم وصفهم تعالى بنوع آخر من الشّرك بقوله: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أربابا من دون الله والأكثرون من المفسّرين قالوا: ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم، مع أن التّوراة والإنجيل والكتب الإلهية ناطقة بألا يعبدوا إلا إلها واحدا، وأنه لا إله إلا هو، تنزّه من أن يكون له شريك في الأمر والتّكليف أو التّشريع، وأن يكون له شريك في كونه مسجودا له أو معبودا، وأن يكون له شريك يستحقّ التّعظيم والإجلال.