{يَسْئَلُونَكَ} يا محمد، والسؤال بمعنى طلب العلم يتعدى إلى مفعولين ثانيهما ب عن، وقد يتعدى بنفسه، وإذا كان بمعنى طلب المال فيتعدى إلى مفعولين بنفسه، نحو سألت زيدا مالا، وقد يتعدى بمن مثل: سألت محمدا من ماله. والسؤال هنا سؤال استفتاء لا استعطاء، وموجه ممن حضر معركة بدر. {عَنِ الْأَنْفالِ} غنائم بدر، والمراد بها هنا الغنائم الحربية، وهي ما حصل مستغنما من العدو، بتعب كان أو بغير تعب، قبل الظفر أو بعده. وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك وقتادة وعكرمة. قال الزمخشري: النفل: الغنيمة؛ لأنها من فضل الله تعالى. وقد يراد بالأنفال جمع نفل: ما يشترطه الإمام للمجاهد، زيادة على سهمه. {لِلّهِ وَالرَّسُولِ} أي أن حكمها لله يجعلها حيث شاء، والرسول يقسمها بأمر الله، فقسمها صلّى الله عليه وآله وسلم بينهم على السواء، كما رواه الحاكم في المستدرك.
{ذاتَ بَيْنِكُمْ} حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع، وذات البين: الصلة التي تربط بين شيئين. أي الحال والصلة التي بينكم، وتربط بعضكم ببعض وهي رابطة الإسلام، وإصلاحها يكون بالوفاق والتعاون والمواساة والإيثار، وترك الأثرة أو حب الذات. وقيل: إن ذات بمعنى صفة لمفعول محذوف، أي أحوالا ذات بينكم يحصل بها اجتماعكم.
وتوسيط الأمر بإصلاح ذات البين بين الأمر بالتقوى والأمر بالطاعة لإظهار كمال العناية بالإصلاح.
والبين في أصل اللغة: يطلق على الاتصال والافتراق وكل ما بين طرفين، كما قال تعالى:
{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام ٩٤/ ٦] برفع بين بمعنى الوصل، وبنصبه على الظرفية بمعنى وقع التقطع بينكم. ومن استعمال البين بمعنى الافتراق والوصل قول الشاعر:
فوالله لولا البين لم يكن الهوى... ولولا الهوى ما حنّ للبين آلف
البين أولا: هو البعد، والثاني: هو الوصل.
{وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ} في الغنائم وفي كل أمر ونهي وقضاء وحكم. وذكر الاسم الجليل في هذا وما قبله لتربية المهابة وتعليل الحكم. وذكر الرسول مع الله تعالى لتعظيم شأنه والاعلام بأن طاعته طاعة لله تعالى.
{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} متعلق بالأوامر الثلاثة، والجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه، أي فامتثلوا الأوامر الثلاثة. والمراد بالإيمان: التصديق، وقد يراد به كمال الإيمان.