ذلك في سبيل الله؟ فقال:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله».
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات عتاب من تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك، سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام واحد.
ودلت الآية الأولى:{اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ..}. على وجوب الجهاد في كل حال، وذلك ليس من صيغة الأمر عند القائلين بأن الأمر يقتضي الفعل فقط، وإنما من النص على العقاب، وإنكار التثاقل؛ لأنه تعالى نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر، ولو لم يكن الجهاد واجبا، لما كان هذا التثاقل منكرا. ثم إن الآية التي بعدها وهي {إِلاّ تَنْفِرُوا} فيها تهديد شديد، ووعيد مؤكد في ترك النفير، بعذاب أليم، ولا يكون العذاب أو العقاب إلا على ترك واجب، فوجب بمقتضى الآيتين النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم، على أن تكون كلمة الله هي العليا، لكن قيل: المراد بهذه الآية الثانية وجوب النفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم.
وآية:{ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ} وإن دلت على خطاب كل المؤمنين، إلا أن المراد بها البعض، وخطاب الكل وإرادة البعض مجاز مشهور في القرآن، وفي سائر أنواع الكلام، كقول بعضهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.
ثم إن فرضية الجهاد العينية المستفادة من هاتين الآيتين قد نسخت بما يدل على أن فرض الجهاد استقر كونه فرض كفاية؛ روى أبو داود عن ابن عباس قال:{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً} و {ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} -إلى قوله- {يَعْمَلُونَ}[التوبة ١٢٠/ ٩ - ١٢١] نسختها الآية التي تليها: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة ١٢٢/ ٩]. وهو قول الضحاك والحسن البصري وعكرمة.