ولا يثور هذا الخلاف بين الفريقين إذا قامت قرينة أو دليل على أن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجمل كلها، كما في المثالين الآتين:
الأول-قوله تعالى في دية القتل الخطأ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ، إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا}[النساء ٩٢/ ٤] فيه قرينة تدل على أن الاستثناء عائد إلى الدية لا إلى تحرير الرقبة؛ لأن التحرير حق الله تعالى، وتصدق الولي لا يسقط حق الله تعالى.
الثاني-قوله تعالى في المحاربين:{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}[المائدة ٣٤/ ٥] فيه دليل على رجوع الاستثناء إلى الجمل كلها، فإن التقييد في قوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} يمنع عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة، وهي قوله سبحانه:{وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ} لأن التوبة تسقط العذاب الأخروي، سواء أكانت قبل القدرة عليهم أم بعدها، فلم يكن لهذا التقييد فائدة إلا سقوط الحد، فهذا الاستثناء راجع إلى الجميع بالاتفاق.
فقه الحياة أو الأحكام:
١ - أرشدت الآية إلى وجوب حد القاذف ثمانين جلدة إذا عجز عن إثبات تهمته بأربعة شهود، وإلى الحكم برد شهادته، وصيرورته فاسقا، إلا إذا تاب فتقبل شهادته وترتفع صفة الفسق عنه في رأي الجمهور، وتزول عنه صفة الفسق فقط بالتوبة في مذهب الحنفية، ويظل مردود الشهادة أبدا وإن تاب.
٢ - وللقذف شروط تسعة عند العلماء: شرطان في القاذف: وهما العقل والبلوغ؛ لأنهما أصلا التكليف.
وشرطان في المقذوف به: وهو أن يقذف بوط ء يلزمه فيه الحد: وهو عند الجمهور غير الحنفية: الزنى واللواط، أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي.