أنزل إليّ بأن أعبد الله وأوحّده، ولا سبيل إلى إنكاره؛ وأما ما تنكرونه مما يخالف شرائعكم فليس ببدع اختلاف الشّرائع والكتب الإلهية في جزئيات الأحكام. {إِلَيْهِ أَدْعُوا} لا إلى غيره. {وَإِلَيْهِ مَآبِ} وإليه مرجعي للجزاء، لا إلى غيره، وهذا هو القدر المتّفق عليه بين الأنبياء، وأما ما عدا ذلك من التّفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم، فلا معنى لإنكارهم الاختلاف فيه.
{وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ} أي مثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها. {أَنْزَلْناهُ حُكْماً} أي أنزلنا القرآن يحكم بين الناس في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة. {عَرَبِيًّا} بلغة العرب، ليسهل لهم حفظه وفهمه. {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ} أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملّتهم على سبيل الافتراض، كالصّلاة إلى قبلتهم بعد ما حوّلت عنها. {بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} ينسخ ذلك. {وَلِيٍّ} ناصر. {واقٍ} حافظ أو مانع من عذابه، أي مالك من أحد ينصرك، ويمنع العقاب عنك، وهو حسم لأطماعهم، وتهييج للمؤمنين على الثّبات على دينهم.
{أَزْواجاً} نساء. {وَذُرِّيَّةً} أولادا، كما هي لك. {وَما كانَ لِرَسُولٍ} وما صحّ له ولم يكن في وسعه. {أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ} تقترح عليه، وحكم يلتمس منه. {إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} بمشيئته وإرادته، فإنهم عبيد مربوبون لله تعالى. {أَجَلٍ} مدة أو وقت. {كِتابٌ} مكتوب فيه تحديده، أي لكل وقت وأمد تحديد أو حكم معين يكتب على العباد، على ما يقتضيه استصلاحهم.
{يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ} ينسخ ما يستصوب نسخه. {وَيُثْبِتُ} يبقي ما يشاء من الأحكام حسبما تقتضي حكمته، وقيل: يمحو سيئات التائب، ويثبت الحسنات مكانها. {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} أي أصل الكتب، وهو اللوح المحفوظ، وهو الذي لا يتغيّر منه شيء، وهو ما كتبه في الأزل، فما من كائن إلا وهو مكتوب فيه، أو العلم الإلهي.
سبب النّزول:
نزول الآية (٣٨):
قال الكلبي: عيّرت اليهود رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت: ما نرى لهذا الرّجل مهمّة إلا النّساء والنّكاح، ولو كان نبيّا كما زعم، لشغله أمر النّبوة عن النّساء، فأنزل الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ، وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً}(١).