{يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} أي بأبصار الناظرين إليه من فرط الإضاءة، وذلك أقوى دليل على كمال القدرة من حيث توليد الضدّ من الضدّ، أي النار من البارد. {يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} بالمعاقبة بينهما، فيأتي بكل منهما بدل الآخر، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر، أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور، أو بما يعم ذلك وهو الأولى. {إِنَّ فِي ذلِكَ} التقليب، وفيما تقدم ذكره.
{لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ} للدلالة على وجود الصانع القديم، وكمال قدرته، وإحاطة علمه، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عن الحاجة، لمن يتأمل ذلك من أهل العقول والبصائر.
{دَابَّةٍ} حيوان يدب على الأرض، وتستعمل عرفا للدواب ذوات الأربع. {مِنْ ماءٍ} هو جزء مادته، أو ماء مخصوص وهو النطفة، تنزيلا للغالب منزلة الكل؛ إذ من الحيوانات ما لا يتولد عن النطفة. {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ} كالحيات والهوام من الحشرات، وإنما سمي الزحف مشيا بطريق الاستعارة أو المشاكلة. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ} كالإنسان والطير.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ} كالبهائم والأنعام، ويندرج فيه ما له أكثر من أربع كالعناكب، فإنها تعتمد في المشي على أربع. وتذكير الضمير في قوله:{فَمِنْهُمْ} والتعبير بمن لتغليب العقلاء، والتعبير بمن عن الأصناف ليوافق التفصيل الجملة. والترتيب في إيراد هذه المخلوقات لتقديم ما هو أدل على القدرة. {يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ} مما ذكر ومما لم يذكر، على اختلاف الصور في الأعضاء والهيئات والحركات والطبائع والقوى والأفعال مع اتحاد العنصر بمقتضى مشيئته. {إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيفعل ما يشاء.
المناسبة:
بعد أن وصف الله تعالى ما استنارت به قلوب المؤمنين بالهداية، وما أظلمت به قلوب الكافرين بالضلالة، أتبع ذلك ببيان أدلة التوحيد والقدرة، فذكر منها أربعة: الأول-تسبيح المخلوقات، والثاني-إنزال الأمطار، والثالث-اختلاف الليل والنهار، والرابع-أنواع الحيوانات.
التفسير والبيان:
النوع الأول-تسبيح المخلوقات:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافّاتٍ} أي ألم تعلم بالدليل أيها النبي وكل مخاطب أن الله سبحانه ينزّهه ويقدّسه كل من في