{ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} كنّى تعالى بالمسّ عن الجماع تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ في التخاطب. الخطاب في قوله {وَأَنْ تَعْفُوا} و {لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} عام للرجال والنساء، ولكن بطريق التغليب. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ} إظهار لفظ الجلالة لتربية المهابة والخوف.
المفردات اللغوية:
{لا جُناحَ} لا إثم ولا تبعة عليكم، والمراد لا شيء عليكم {تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {أَوْ تَفْرِضُوا} أي ولم تفرضوا لهن فرضا أي تقدروا لهن مقدارا توجبونه على أنفسكم وهو المهر، أي لا تبعة ولا مسئولية عليكم بإثم ولا مهر في الطلاق زمن عدم المسيس وعدم فرض المهر. {وَمَتِّعُوهُنَّ} أي فطلقوهن وأعطوهن ما يتمتعن به {عَلَى الْمُوسِعِ} الغني منكم {الْمُقْتِرِ}: الفقير {قَدَرُهُ}: أي قدر الإمكان والطاقة.
{مَتاعاً} أي متعوهن تمتيعا {بِالْمَعْرُوفِ} شرعا، وهو صفة {مَتاعاً}. {حَقًّا} صفة ثانية أو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا ثابتا واجبا. والمعروف: ما يتعارفه الناس ويليق بهم بحسب اختلاف أصنافهم ومعايشهم وبيئاتهم. {الْمُحْسِنِينَ} المطيعين الذين يحسنون في معاملة المطلقات.
{إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ}: لكن إذا ترك الزوجات المطلقات حقهن {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} وهو الولي يعني: إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن، فلا يطالبنهم بنصف المهر، إن كن مالكات أنفسهن، أو يسقط الولي الذي يلي عقد النكاح ما وجب للمطلقات قبل الدخول من نصف الصداق، إن لم يكنّ مالكات أنفسهن. والولي: هو الأب في ابنته البكر، وهو رأي مالك وابن عباس وجماعة من التابعين. وقيل: هو الزوج، وعفوه: تركه ما يعود إليه من نصف المهر الذي أعطاه للمرأة. ويكون المعنى: إلا أن يعفو المطلقات، أو يعفو الزوج عن نصف الصداق، فيجعل المهر كله لها، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي في قوله الجديد، والثوري وابن شبرمة والأوزاعي، وهو رأي علي وشريح وسعيد بن المسيب، وحجتهم: أن الله قال: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وليس إعطاء المرء مال غيره فضلا، فلا ينطبق على الولي.
وحجة الفريق الأول: أن الخطاب في أول الآية للأزواج، فلو أراد الزوج، لقال: أو يعفو، ولا موجب لمخالفة مقتضى الظاهر. ولأن معنى {يَعْفُونَ}، يسقطن وكذلك معنى {يَعْفُوَا} يسقط، والولي هو الذي يسقط، أما الزوج فيعطي.