أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر، فبينما هم جلوس، ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزلت:{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} الآية والآيتان بعدها. وهذا مؤيد لما ذكر في بيان سبب نزول الآيتين المتقدمتين.
التفسير والبيان:
حذر الله المؤمنين من إطاعة الكافرين وإغوائهم وإضلالهم، بعد أن وبخ أهل الكتاب على كفرهم وصدهم عن سبيل الله، وذلك من أجل تماسك الشخصية الإسلامية والحفاظ على تميزها واستقلالها، بعد أن انحرف أهل الكتاب عن صراط الله المستقيم، وتبيان ذلك فيما يأتي:
أيها المؤمنون إذا أطعتم هؤلاء اليهود فيما يثير الفتنة ويؤجج نار الجاهلية العمياء، ردّوكم إلى الكفر بعد الإيمان، وإلى التفرق بعد الوحدة، وإلى الكراهية والحقد والضغينة بعد المحبة والصفاء والوداد، كما قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}[البقرة ١٠٩/ ٢] والكفر مهلكة في الدين بخسارة الآخرة وسوء الحال في الدنيا والمعاش، ومهلكة في الدنيا بإثارة الفتنة والعداوة والبغضاء.
وكيف تكفرون بالله وحاشاكم منه وكيف تطيعون الكفرة فيما يشيرون به؟ والحال أن فيكم أمرين: الأول-تلاوة آيات الله التي تنزل على رسوله ليلا ونهارا، وهو يتلوها عليكم، ويبلّغها إليكم، وهو القرآن الظاهر الإعجاز، كقوله تعالى:{وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ، وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الحديد ٨/ ٥٧].
والثاني-وجود الرسول فيكم الذي ظهرت على يديه الخوارق المؤيدة