والوعيد على سوء صنيعهم، وهو توسط بين طرفي قصة، من حيث إن مساقها لتسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم والترويح عنه بأن أباه خليل الله مني بنحو ما مني به من شرك القوم وتكذيبهم، وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم في قومه.
{يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ} أي يخلقهم ابتداء من مادة وغيرها. {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يعيد الخلق بعد الموت كما بدأهم. {إِنَّ ذلِكَ} المذكور من الخلق والإعادة. {عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء، فكيف ينكرون الثاني؟ {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} لمن كان قبلكم وأماتهم، على اختلاف الأجناس والأحوال. {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} هي إعادة الخلق مرة أخرى، بعد النشأة الأولى التي هي الإبداء، فإنه والإعادة نشأتان، من حيث إن كلاّ منهما اختراع وإخراج من العدم، فالنشأة: الخلق والإيجاد. {إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومنه البدء والإعادة؛ لأن قدرته لذاته وكل الممكنات بالنسبة إلى ذاته سواء، فيقدر على النشأة الأخرى، كما قدر على النشأة الأولى.
{يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ} تعذيبه. {وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ} رحمته. {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي تردّون بعد موتكم. {بِمُعْجِزِينَ} ربكم عن إدراككم، أي جاعلين الله عاجزا. {فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} أي لا تفوتونه أينما كنتم، سواء بالتواري في الأرض أو التحصن في السماء. {مِنْ دُونِ اللهِ} غيره. {مِنْ وَلِيٍّ} قريب، أو متولي الأمر يمنعكم منه. {وَلا نَصِيرٍ} معين، ينصركم من عذابه.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ} بدلائل وحدانيته أو بكتبه. {وَلِقائِهِ} بالبعث. {يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} أي ييأسون منها يوم القيامة، فعبر عنه بالماضي لتحقق الوقوع والمبالغة فيه.
{وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} مؤلم بكفرهم.
المناسبة:
بعد الانتهاء من بيان قصة نوح أبي البشر الثاني عليه السلام، أورد الله تعالى قصة إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء وإمام الحنفاء، بقصد عرض نماذج من سيرة الأنبياء للنبي صلّى الله عليه وسلم ليتأسى بهم، ويسلو عما أهمه من إعراض قومه عن دعوته، كما بيّنت.