{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} أي هو الذي جعل للناس في جملة الخلق. {مَهْداً} وقرئ: مهادا، أي فراشا، أي جعل الأرض كالمهد تتمهدونها. والمهد: مصدر سمي به، والمهاد: اسم ما يمهد كالفراش، أو جمع مهد.
{وَسَلَكَ} سهل. {سُبُلاً} طرقا، أي جعل لكم فيها طرقا بين الجبال والأودية والبراري، تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها. {السَّماءِ} مطرا. {فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً} أصنافا وفيه التفات من لفظ الغيبة إلى صيغة المتكلم، على الحكاية لكلام الله تعالى، للتنبيه على ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة، وللإشعار بأنه تعالى مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته. {مِنْ نَباتٍ شَتّى} شتى صفة. {أَزْواجاً} أي مختلفة الألوان والطعوم، و {شَتّى} جمع شتيت، كمريض ومرضى، من شت الأمر: تفرق.
{كُلُوا} منها. {وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ} فيها، والأنعام جمع نعم: وهي الإبل والبقر والغنم.
والأمر للإباحة وتذكير النعمة. {إِنَّ فِي ذلِكَ} المذكور هنا. {لَآياتٍ} لدلالات. {لِأُولِي النُّهى} أصحاب العقول، جمع نهية، كغرفة وغرف، سمي به العقل؛ لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح.
{مِنْها خَلَقْناكُمْ} من الأرض، فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم.
{وَفِيها نُعِيدُكُمْ} بالموت، وتفكيك الأجزاء. {وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ} عند البعث. {تارَةً أُخْرى} مرة أخرى، كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم.
المناسبة:
بعد مبادرة موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون امتثالا لأمر الله، ووصولهما إلى قصر فرعون، والإذن لهما بالدخول بعد انتظار طويل، وصف الله تعالى الحوار الذي دار بينه وبينهما، فسألهما سؤال إنكار للرب تكبرا وتجبرا، بعد أن أثبت نفسه ربا في قوله:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}. فاستدل موسى على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات.
التفسير والبيان:
{قالَ: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى} أي إذا كنتما رسولي ربكما إلي، فأخبراني:
من ربكما الذي أرسلكما؟ ويلاحظ أنه أضاف الرب إليهما، ولم يضفه إلى نفسه