{وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا..}. أي وما منع أكثر الناس ومنهم مشركو مكة أن يؤمنوا بالله، ويتبعوا الرسل، حين مجيء الوحي المعجز الذي يستهدف الهداية والإسعاد والنجاة إلا استغرابهم وتعجبهم من بعثة البشر رسلا، غير متصورين كون الرسول من جنس البشر المرسل إليهم، وأنه كان لا بد من أن يكون من الملائكة، وهذا تحكم فاسد وتعنت باطل. والآية مثل قوله تعالى:
ثم أجابهم الله تعالى منبها على لطفه ورحمته بعباده، وعلى منطق الأمور، فقال:{قُلْ: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ.}. أي قل لهم يا محمد: إن مقتضى الحكمة ومنطق الأشياء والرحمة بالناس أن يبعث إليهم الرسول من جنسهم، ليناقشهم ويخاطبهم، ويفقهوا عنه ويفهموا منه، فليس إرسال الرسول لمجرد إلقاء الموحى به إليه، ولو كان الرسول ملكا لما استطاعوا مواجهته، ولا الأخذ عنه، فإن الشيء يألف لجنسه، ويأنس به، فطبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر، وعقد حوار معه حول أحكام التشريع وتبيان أصول العقيدة، وأداء الرسالة، كما قال تعالى:{وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ}[الأنعام ٩/ ٦].
بل إن إرسال الرسول من البشر نعمة وحكمة ومنّة عظمي، لذا قال تعالى: