{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى، وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ} أي ومن يخلص العبادة والعمل إلى الله، وينقاد لأمره، ويتبع شرعه، مع إتقان عمله باتباع ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه وزجر، فقد تمسك بالحبال الواثقة، أي تعلق بأوثق الوسائل الموصلة إلى رضوان الله، وسيلقى الجزاء الحسن على عمله، لأن مصير المخلوقات كلهم إلى الله، فيجازي المتوكل عليه، المخلص عبادته إليه أحسن الجزاء، كما يعاقب المسيء بأشد العذاب.
ثم نصح الله رسوله بألا يهتم بكفر الكافرين، فقال:
{وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ، إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} أي لا تغتم ولا تجزع على كفر الكافرين الذين كفروا بالله ورسوله، ولا تهتم بهم، ولا تحزن عليهم، فإن مصيرهم إلينا يوم القيامة وفي الدنيا، فنجازيهم بالإهلاك والعذاب، ولا تخفى عليه خافية منهم، ولا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم، فنخبرهم بما أضمرته صدورهم. وكلمة {مَنْ} تصلح للواحد والجمع، فلهذا قال:{كُفْرُهُ} ثم قال: {مَرْجِعُهُمْ} وما بعده على المعنى.
ثم بيّن مدى مقامهم في الدنيا، فقال:
{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} أي نجعلهم يتمتعون في الدنيا بزخارفها تمتعا قليلا أو زمانا قليلا، ثم نلجئهم ونلزمهم بعذاب شاق ثقيل شديد عليهم. والغلظ يكون في الماديات، وأستعير للمعنى، والمراد الشدة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على أن الناس في الآخرة فريقان: فريق في الجنة، وفريق في