لما ذكّر الله تعالى المؤمنين نعمه عليهم بقوله:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} كذلك ذكّر رسوله نعمه عليه، وهو دفع كيد المشركين، ومكر الماكرين عنه.
التفسير والبيان:
واذكر أيها النبي حينما اجتمع المشركون لتدبير مؤامرة خطيرة عليك وعلى دعوتك، فذلك أمر يستحق الشكر على النعمة، ويدعو للعبرة والعظة، ويدل على صدق دعوتك وتأييد ربك لك في وقت المحنة العصيبة.
لقد دبروا لك إحدى مكائد ثلاث: إما الحبس الذي يحول بينك وبين دعوة الناس، وإما القتل بطريق جميع القبائل، وإما الطرد والإخراج من البلاد.
إنهم يمكرون ويدبرون في السرّ أمرا مكروها لإيقاعه بك من حيث لا تحتسب، ولكن الله عزت قدرته يحبط مكرهم ويبطل تآمرهم ويذهب كيدهم هباء، فقد أخرجك مهاجرا سليما من بينهم دون أي أذى، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والله خير المدبرين وأعلمهم ولا خير في مكرهم. فمعنى قوله:
{وَيَمْكُرُونَ}: يخفون المكايد له، ومعنى:{وَيَمْكُرُ اللهُ}: ويخفي الله ما أعدّ لهم حتى يأتيهم بغتة، ومكر الله: هو جزاؤهم بالعذاب على مكرهم {وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أي مكره أنفذ من مكر غيره، وأبلغ تأثيرا، وأحق بالفعل المدبّر؛ لأن تدبيره نصر للحق وعدل، ولا يفعل إلا ما هو مستوجب.