للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقه الحياة أو الأحكام:

أخبر الله تعالى أن في أهل الكتاب الخائن والأمين، والمؤمنون لا يستطيعون التمييز بينهم، فعليهم اجتناب جميعهم. وخصّ أهل الكتاب بالذكر، وإن كان المؤمنون كذلك؛ لأن الخيانة فيهم أكثر، فخرج الكلام على الغالب. والأمين لا فرق عنده بين الكثير والقليل، فمن حفظ‍ الكثير وأداه فالقليل أولى، ومن خان في اليسير أو منعه فذلك في الكثير أكثر.

واستدل أبو حنيفة على مذهبه في ملازمة الغريم (المدين) بقوله تعالى:

{إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً} وأباه سائر العلماء.

والأمانة عظيمة القدر في الدّين، ومن عظم قدرها أنها تقوم هي والرّحم على جنبتي الصراط‍، كما في صحيح مسلم، فلا يمكّن من العبور بسلام إلا من حفظهما.

وليس في هذه الآية تعديل لأهل الكتاب ولا لبعضهم، في رأي المالكية، خلافا لمن ذهب إلى ذلك؛ لأن فسّاق المسلمين يوجد فيهم من يؤدّي الأمانة، ويؤمن على المال الكثير، ولا يكونون بذلك عدولا، فطريق العدالة وقبول الشهادة لا يدل عليه أداء الأمانة في المال في التعامل والوديعة.

ولا يوجد في شرع الله مطلقا التفريق في أداء الحقوق والأمانات بين المؤمن وغيره؛ لأن الحق مقدس، لا تتأثر صفته بشخص مستحقه، أما اليهود فلم يجعلوا الوفاء بالعهد حقا واجبا لذاته.

ودلّ قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} على أن الكافر ليس أهلا لقبول شهادته؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه كذّاب. وفيه ردّ على الكفرة الذين يحرّمون ويحللون غير تحريم الله وتحليله، ويجعلون ذلك من الشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>