{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي بيّن وأوضح لكم من الدّين أيها المسلمون ما أمر به وشرع لنوح أول الرّسل بعد آدم عليهما السلام من التوحيد وأصول الشرائع التي لم يختلف فيها الرّسل وتوافقت عليها الكتب، وما أوحى به إلى النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم خاتم النّبيين من القرآن وشرائع الإسلام ونبذ الشرك، وما أمر به إبراهيم وموسى وعيسى مما تطابقت عليه الشرائع، أن حافظوا على الدّين (وهو توحيد الله والإيمان به، وطاعة رسله وقبول شرائعه) ولا تختلفوا في هذه الأصول التشريعية، فإن هذه الأصول لا ينبغي ولا يصح الخلاف في مثلها.
والخلاصة: شرعنا لكم في هذه الشريعة ما اتفقت عليه الشرائع والأديان كلها في أصول العقيدة من الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر والملائكة، وأصول العبادة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وطاعة الله، قال مجاهد:«لم يبعث الله نبيّا قط إلاّ وصّاه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم». وكذا أصول الأخلاق وأسس الفضائل كالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، وتحريم الزنى والسرقة والاعتداء على الأموال والنفوس. ووصّى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم السلام بالائتلاف والجماعة.
ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.
وأساس الدين الذي جاءت به الرّسل كلّهم: هو عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال عزّ وجلّ:{وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء ٢٥/ ٢١]. و