{أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ} أي أن يفتري افتراء من غير الله تعالى. {وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي كان أو أنزل مطابقا لما تقدمه من الكتب الإلهية المشهود على صدقها وليس كذبا.
{وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ} تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيره، وتوضيح ما حقق وأثبت من العقائد والشرائع. {لا رَيْبَ فِيهِ} لا شك.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} أي بل أيقولون: اختلقه محمد، والهمزة للإنكار. {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وقوة المعنى، على وجه الافتراء؛ فإنكم عرب فصحاء، مثلي في العربية والفصاحة، وأشدّ تمرنا في النظم والعبارة. {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به. {مِنْ دُونِ اللهِ} سوى الله أو غيره، فإنه وحده قادر على ذلك. {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} في أنه افتراء وأنه اختلقه، فلم يقدروا على ذلك.
{بَلْ كَذَّبُوا} بل سارعوا إلى التكذيب. {بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} أي القرآن أول ما سمعوه قبل أن يتدبروا آياته ويحيطوا بالعلم بشأنه. {وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} لم يطلعوا على تأويله، ولم تبلغ أذهانهم معانيه، ولم تتحقق عاقبة ما فيه من الوعيد، أو تقع أخباره عن المغيبات، حتى يتبين لهم أنه صدق أم كذب. والمعنى: أن القرآن معجز من جهة اللفظ والمعنى، ثم إنهم فاجؤوا بتكذيبه قبل أن يتدبروا نظمه، ويتفحصوا معناه.
{كَذلِكَ} التكذيب. {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} رسلهم. {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ} بتكذيب الرسل، أي آخر أمرهم من الهلاك، فكذلك نهلك هؤلاء.
المناسبة:
ذكر الله تعالى مطلب المشركين من النبي صلى الله عليه وسلّم بإنزال آية من ربه (الآية ٢٠) لاعتقادهم أن القرآن ليس بمعجز، وأن محمدا إنما يأتي به من عند نفسه اختلاقا، وأجابهم بأن محمدا عاجز كغيره عن إنزال آية والإتيان بمثله، ثم أبطل شركهم بأدلة كثيرة، ثم عاد هنا إلى ترسيخ حقيقة أصيلة وهي أن القرآن وحي من عند الله تعالى، وليس إتيان محمد عليه الصلاة والسلام به على سبيل الافتراء على الله تعالى، مما يدل على أنه معجز نازل من عند الله، وأنه مبرأ من الافتراء.