كانت الآيات المتقدمة مرغبة في جهاد المشركين الناقضين العهد، وهذه الآية ترغيب جديد زائد عما سبق لتمييز المجاهدين المخلصين عن غيرهم.
التفسير والبيان:
الآية مرتبطة بما قبلها، والمعنى: ألا تقاتلون أولئك المشركين الذين نقضوا العهود واعتدوا عليكم إلى آخر الأسباب السبعة التي يوجب كل واحد منها الإقدام على القتال، أم حسبتم أيها المؤمنون أن تتركوا وشأنكم مهملين بغير اختبار بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب، من طريق الجهاد الذي يتبين فيه الخلّص من المجاهدين منكم بالأموال والأنفس، والذين لم يتخذوا بطانة من الكفار أولياء يسرّون إليهم بأحوال المسلمين وأمورهم وأسرارهم، بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله، ويتميزوا من المنافقين الذين يطلعون الولائج على أسرار الأمة وسياستها، وقد اكتفى بأحد القسمين عن الآخر، للعلم به ضمنا.
قال الجصاص: قوله: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا} ... {وَلِيجَةً} يقتضي لزوم اتباع المؤمنين وترك العدول عنهم، كما يلزم اتباع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وفيه دليل على لزوم حجة الإجماع، وهو كقوله:{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ.}. (١)[النساء ١١٥/ ٤].
والله خبير في كل وقت بأعمالكم، فيجازيكم عليها. ومن المعروف أن التكليف الشاق على الأنفس هو الذي يحقق الاختبار، ويظهر المخلص من المنافق.
وليس المقصود بقوله تعالى:{وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ} نفي علم الله، وأنه تعالى -كما فهم هشام بن عبد الحكم من ظاهر الآية-لا يعلم الشيء إلا حال وجوده، وإنما المراد منه نفي المعلوم الموجود في الواقع وإظهاره على مسرح الحياة، ليكون