والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتها. {أَكِنَّةً} أغطية، جمع كنان، وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم. {أَنْ يَفْقَهُوهُ} أن يفهموه، أي كراهة أن يفقهوه، أو من أن يفهموا القرآن، أي فلا يفهمونه. وتذكير الضمير وإفراده مراعاة للمعنى. {وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً} أي ثقلا في السمع، يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه، أو فلا يسمعونه. {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} أي بالجعل المذكور صار ميئوسا من اهتدائهم؛ لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون، ولشدة تصميمهم، و {إِذاً}:
جزاء وجواب للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سببا في انتفائه، و {أَبَداً} مدة التكليف كلها.
{لَوْ يُؤاخِذُهُمْ} في الدنيا. {لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ} فيها. {مَوْعِدٌ} هو يوم القيامة.
{مَوْئِلاً} ملجأ ومنجى. {وَتِلْكَ الْقُرى} أي أهلها وهي قرى عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم.
{لَمّا ظَلَمُوا} كفروا كقريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي. {لِمَهْلِكِهِمْ} هلاكهم، ومن قرأ بضم الميم وفتح اللام فمعناه لإهلاكهم. {مَوْعِداً} وقتا معلوما، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون، فليعتبروا بهم، ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى الجواب على شبهات الكفار المبطلين الذين افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم، أردف ذلك ببيان كثرة الأمثال في القرآن لمن تدبر فيها، ومع تلك الأمثلة الواقعية والإجابات الشافية، هؤلاء الكفار لا يتركون المجادلة الباطلة؛ لأن الإنسان أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال، ثم هددهم تعالى على عدم الإيمان متسائلا: هل هناك مانع يمنعهم من الإيمان إلا نزول عذاب الاستئصال، أو مجيئه عيانا؟ وأبان أن مهمة الرسل هي الجدال في الدين من طريق تبشير المؤمنين بالجنان وإنذار العصاة بالنار، وأوضح أن أشد الناس ظلما هو المعرض عن هداية القرآن، ولله الفضل العظيم في تأخير العقاب عن الناس، وتخصيصه بموعد، لا يتجاوزه، لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
التفسير والبيان:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنا.}. أي ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم كل