واذكروا أيها اليهود وقت قول موسى لقومه أسلافكم:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} أي بقرة كانت، فلم يمتثلوا، وشددوا، فشدد الله عليهم. وقالوا:
أتهزأ بنا يا موسى، نسألك عن أمر القتل، فتأمرنا بذبح بقرة! قال: ألتجئ إلى الله من الهزء والسخرية بالناس في موضع الجد، إذ هو في مقام تبليغ أحكام الله دليل السفه والجهل.
فلما رأوه جادا، سألوه عن صفاتها المميزة لها، وأكثروا من الأسئلة، فسألوه عن سنها، فقال لهم: إنها ليست صغيرة ولا كبيرة، بل وسط بين الأمرين، فامتثلوا الأمر، ولا تشدّدوا فيشدد الله عليكم.
ولكنهم تعنتوا، فسألوه عن لونها، فقال: إنها صفراء شديدة الصفرة تسر الناظر إليها، فلم يكتفوا بذلك، بل طالبوا بأوصاف مميزة أخرى، وقالوا معتذرين: إن البقر كثير متشابه علينا، وإنا إن شاء الله لمهتدون إلى المطلوب،
روي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال:«لو لم يستثنوا ويقولوا: إن شاء الله، لما تبينت لهم آخر الأبد».
قال: إن الله يقول: إنها بقرة لم تذلل بالعمل في الحراثة والسقي، وهي سالمة من العيوب، ولا لون فيها غير الصفرة الفاقعة.
قالوا: إنك الآن جئت بإظهار الحقيقة الواضحة. فطلبوها، فلم يجدوها إلا عند يتيم صغير بار بأمه، فساوموه، فتغالى، حتى اشتروها بملء جلدها ذهبا.
وما كان امتثالهم قريب الحصول. قال ابن عباس:«لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم».
واذكروا أيها اليهود المعاصرون حين قتلتم نفسا، وهذا من قبيل التأخير لفظا والتقديم معنى للتشويق في معرفة سبب ذبح البقرة، وأسند القتل إلى