{أَعُوذُ} ألجأ. {الْفَلَقِ} شق الشيء وفصل بعضه عن بعض، ومنه {فالِقُ الْإِصْباحِ}[الأنعام ٩٦/ ٦]، و {فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى}[الأنعام ٩٥/ ٦]، و {الْفَلَقِ} يشمل كل ما يفلقه الله عن غيره، كفلق ظلمة الليل بالصبح، وفلق العيون والأمطار والنبات والأولاد، ويخص الفلق عرفا بالصبح، ولذلك فسّر به، وتخصيصه لما فيه من تغير الحال، وتبدل وحشة الليل بسرور النور، والإشعار بأن من قدر أن يزيل ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ إليه ما يخافه. ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه؛ لأن الإعاذة من المضارّ تربية وعناية.
{مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ} من شرّ المخلوقات كلها، وخصّ عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشرّ فيه، وهو يشمل الحيوان والإنسان والجماد كالسم وغيره. {غاسِقٍ} ليل اشتد ظلامه. {وَقَبَ} دخل ظلامه وتخصيصه لأن المضار تكثر فيه ويعسر الدفع. {النَّفّاثاتِ} السواحر من النفوس أو النساء تنفث. {فِي الْعُقَدِ} التي تعقدها في الخيط، والنفث: النفخ مع ريق يخرج من الفم، و {الْعُقَدِ} جمع عقدة: وهي ما يعقد من حبل أو خيط ونحوهما. {حاسِدٍ} هو الذي يتمنى زوال نعمة المحسود. وخصّ الحاسد بالذكر؛ لأنه العمدة في الظاهر والسبب في إضرار الإنسان والحيوان وغيرهما. وذكر هذه الأصناف الثلاثة بعد التعميم الشامل لها {ما خَلَقَ} لشدة شرّها.
التفسير والبيان:
{قُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ} أي قل أيها النبي: ألجأ إلى الله، وأستعيذ بربّ الصبح؛ لأن الليل ينفلق عنه، أو بربّ كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله، من الحيوان، والصبح، والحبّ، والنوى، وكل شيء من نبات وغيره، أعوذ بالله خالق الكائنات من شرّ كل ما خلقه الله سبحانه من جميع مخلوقاته. وفيه إشارة إلى أن القادر على إزالة الظلمة عن وجه الأرض قادر على دفع ظلمة الشرور والآفات عن العبد.
أخرج الترمذي وحسنه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، قال:«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عين الجان، ومن عين الإنس، فلما نزلت سورتا المعوذتين، أخذ بهما، وترك ما سوى ذلك».