للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل من الفريقين يرزقهم ربهم في الدنيا؛ لأن عطاءه ليس ممنوعا عن أحد، ولكنهم متفاضلون في الرزق، ومراتب التفاوت في الآخرة أكثر من مراتب تفاوت الدنيا.

التفسير والبيان:

هذه الآيات تصنيف عام لأحوال الناس في الدنيا، فهم فريقان: فريق يعمل للدنيا، وفريق يعمل للآخرة. أما الفريق الأول فهو: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ..}. أي من كان طلبه الدنيا العاجلة، وكانت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، فخصها بكل جهده وعمله، ونسي الآخرة، عجل الله فيها تحقيق أمله حسبما يشاء ويريد، من سعة الرزق وترف الحياة، فليس كل من طلب الدنيا ونعمها يحصل له مراده، بل إنما يحصل لمن أراد الله وما يشاء، فالعطاء الدنيوي مقيد بالإرادة والمشيئة الإلهية، والقيد يشمل أمرين: ما يشاؤه الله لا ما يحبه العبد، ولمن يشاء الله، لا لكل من أراد الدنيا، فهؤلاء الماديون لا يعطون كل ما يريدون، وإنما يعطون بعض أمانيهم، والكثير من الماديين لا يعطون شيئا أبدا، فيجمعون بين فقر الدنيا وفقر الآخرة، وبين الحرمان من الدنيا والدين.

ولكل من هؤلاء الماديين، سواء أعطوا مرادهم أم لا جهنم يصلونها أي يقاسون حرها بصفة دائمة، مذمومين من الله والملائكة والناس أجمعين على قلة الشكر وسوء العمل والتصرف، مطرودين من رحمة الله تعالى.

فهذا العقاب ذو أوصاف ثلاثة في الآية: الدوام والخلود، والإذلال والإهانة، والطرد من رحمة الله. وهذا تهديد للماديين الكفرة وزجر شديد، فإنهم يحصرون همهم في الدنيا، وربما لم ينلهم شيء منها.

روى أحمد عن عائشة مرفوعا: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له».

<<  <  ج: ص:  >  >>