ارْتَبْتُمْ} شككتم فيهما أي في صدقهما فيما يقران به {لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} أي ويقولان: لا نشتري بالله عوضا نأخذه بدله من الدنيا، بأن نحلف به أو نشهد كذبا لأجله.
{وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} أي ولو كان المقسم له أو المشهود له ذا قرابة منا. {إِنّا إِذاً} إن كتمناها {الْآثِمِينَ} العاصين {عُثِرَ} اطلع بعد حلفهما {اِسْتَحَقّا إِثْماً} أي ارتكبا فعلا يوقع في الإثم من خيانة أو كذب في الشهادة، بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو وصى لهما به {فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما} في توجه اليمين عليهما {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} الوصية، وهم الورثة {الْأَوْلَيانِ} بالميت، أي الأقربان إليه لأنهم أعلم بأحوال الميت وهم به أشفق وبورثته أرحم {فَيُقْسِمانِ بِاللهِ} على خيانة الشاهدين ويقولان: {لَشَهادَتُنا} يميننا {أَحَقُّ} أصدق {مِنْ شَهادَتِهِما} يمينهما {وَمَا اعْتَدَيْنا} تجاوزنا الحق في اليمين.
{ذلِكَ} الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة {أَدْنى} أقرب إلى {أَنْ يَأْتُوا} أي الشهود أو الأوصياء {بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها} الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة، أو أقرب إلى ان {يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ} على الورثة المدعين، فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفتضحوا ويغرموا فلا يكذبوا {وَاتَّقُوا اللهَ} بترك الخيانة والكذب {وَاسْمَعُوا} ما تؤمرون به سماع قبول {الْفاسِقِينَ} الخارجين عن طاعته. والله لا يهديهم إلى سبيل الخير.
سبب النزول:
روى البخاري والدارقطني والطبري وابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال: «كان تميم الداري وعدي بن بدّاء رجلين نصرانيين، يتّجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها، فلما هاجر النّبي صلّى الله عليه وسلّم حوّلا متجرهما إلى المدينة، فخرج بديل السهمي مولى عمرو بن العاص تاجرا حتى قدم المدينة، فخرجوا جميعا تجارا إلى الشام، حتى إذا كانوا ببعض الطريق اشتكى بديل، فكتب وصية بيده، ثم دسّها في متاعه وأوصى إليهما، فلما مات فتحا متاعه فأخذا منه شيئا (إناء من فضة منقوشا بالذهب) ثم حجراه كما كان، وقدما المدينة على أهله، فدفعا متاعه، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئا فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا.