هذا هو الفصل السادس من قصّة موسى مع فرعون، فيه يخبر الله تعالى عمّا توعّد به فرعون السّحرة لما آمنوا بموسى عليه السّلام، وبما ردّوا به عليه من تسليم أمرهم لله؛ لأن مصيرهم إليه في الآخرة.
ومعنى {آمَنْتُمْ} على أنه إخبار بخبر: صدقتم، ويراد به التّوبيخ، وعلى أنه استفهام يراد به الإنكار والاستبعاد، أي آمنتم بموسى واتبعتموه في رسالته قبل أن آذن لكم بذلك.
إن صنعكم هذا وغلبته لكم في هذا اليوم، إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى:{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}[طه ٧١/ ٢٠]. إنكم دبّرتم هذه المؤامرة في هذه المدينة لتخرجوا المصريين منها بسحركم، وتسكنوا فيها مع بني إسرائيل، فسوف تعلمون ما أصنع بكم من العذاب والنّكال على هذا المكر.
وهذا القول من فرعون مجرّد تمويه وتدليس وتغطية للهزيمة، لئلا يتّبعوا السّحرة في الإيمان، كما قال تعالى:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ}[الزّخرف ٥٤/ ٤٣]؛ إذ إنه يعلم أن هذا قول باطل، فهو الذي أرسل جنوده في مدائن مملكته، لجمع السّحرة المتفرّقين من سائر الأقاليم بمصر، ووعدهم بالعطاء الجزيل، وموسى عليه السّلام لا يعرف أحدا منهم، ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم بذلك.
وقد استفاد فرعون هذه الفكرة أي الاتّهام بالمكر والمؤامرة من مناقشة دارت بين موسى وكبير السّحرة قبل المبارزة، روي أن موسى عليه السّلام قال لأمير السّحرة أو للسّاحر الأكبر: أتؤمن بي إن غلبتك؟ قال: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، وإن غلبتني لأومننّ بك. وفرعون يسمع ذلك، فلذلك قال ما قال.