هذا مثل آخر يدل على حقارة الدنيا وقلة بقائها، والكلام متصل بما تقدم من قصة المشركين المتكبرين على فقراء المؤمنين، فلما بيّن الله تعالى في المثل الأول حال الكافر والمؤمن وما آل إليه افتخار الكافر من الهلاك، بيّن في هذا المثل حال الحياة الدنيا واضمحلالها ومصير ما فيها من النعيم والترفه إلى الهلاك.
ولما بيّن تعالى أن الدنيا سريعة الانقراض والزوال، بيّن أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا في عرف الناس، وكل ما كان من زينة الدنيا فهو سريع الانقضاء والانقراض، فيقبح بالعاقل الافتخار به أو الفرح بسببه، مما يدل على فساد قول المشركين الذين افتخروا على فقراء المؤمنين بكثرة الأموال والأولاد.
ثم ذكر الله تعالى ما يرجح أولئك المؤمنين الفقراء على أولئك الأغنياء الكفار بما يقدمونه من أعمال صالحة، فهي زاد الآخرة الدائم الباقي، والدائم الباقي خير من المنقرض المنقضي.
وقد ورد في السنة ما يفسر الباقيات الصالحات، روى الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:«لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
وروى سعيد بن منصور وأحمد وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:«استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وروى الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: