{فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ} فآمن، بأن وفقهم للإيمان بإرشادهم {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} أي وجبت عليه الضلالة في علم الله فلم يؤمن، بأن لم يوفقهم ولم يرد هداهم. ووجبت أي ثبتت بالقضاء الأزلي السابق؛ لإصراره على الكفر والعناد.
{فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي يا معشر قريش {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} رسلهم من الهلاك، مثل عاد وثمود وغيرهم، لعلكم تعتبرون {إِنْ تَحْرِصْ} يا محمد {عَلى هُداهُمْ} وقد أضلهم الله، لا تقدر على ذلك {فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} هذا معنى من حقت عليه الضلالة، أي من يريد ضلاله، ولكنه لم يأمره به، وإنما على العكس أمره وأمر العالم كله بالإيمان {وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ} ما نعين من عذاب الله، بأن ينصرهم بدفع العذاب عنهم.
{جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} غاية اجتهادهم فيها {بَلى} يبعثهم {وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا} مصدران مؤكدان لنفسهما منصوبان بفعلهما المقدر، أي وعد ذلك وحقه حقا {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ} أي أهل مكة {لا يَعْلَمُونَ} ذلك أي أنهم مبعوثون، إما لعدم علمهم بمقتضى الحكمة التي يراعيها الله عادة، وإما لقصر نظرهم على المألوف، فيتوهمون امتناعه.
{لِيُبَيِّنَ} متعلق بقوله: يبعثهم المقدر، أي يبعثهم ليبين {لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} مع المؤمنين، من أمر الدين الحق، بتعذيبهم وإثابة المؤمنين {أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ} في إنكار البعث المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب {إِذا أَرَدْناهُ} أردنا إيجاده {فَيَكُونُ} فهو يكون. وهذه الآية:{إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ.}. لتقرير القدرة على البعث وبيان إمكانه؛ لأن تكوين الله تعالى بمحض قدرته ومشيئته، ولا يتوقف على سبق المواد والمدد، وإلا لزم التسلسل، فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة، يمكن له تكوينها مرة أخرى.
سبب النزول:
نزول الآية (٣٨):
{وَأَقْسَمُوا بِاللهِ.}. قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: والذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت؟! فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت، فأنزل الله تعالى هذه الآية.