يخبر الله تعالى في هذه الآيات عن موقف الملك الذي استراح لتعبير يوسف رؤياه، فعرف فضل يوسف وعلمه، وسعة اطلاعه، واهتمامه بأهل بلده ورعاياه، وأدرك أن تفسير الرؤيا بما سمع كلام خطير يدل على رجاحة عقل يوسف وقوة ذكائه، فهو جدير بمقابلته شخصيا ليسمع منه الأمر.
{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} أي أخرجوه من السجن، وأحضروه لي، كي أستمع إلى كلامه، وأتلمس مصداق الرؤيا بنفسي، فلما جاءه الرسول بذلك، امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن كان ظلما وعدوانا.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلّم موقف يوسف عليه السّلام، ونبه على فضله وشرفه، وعلو قدره وصبره،
ففي مسند أحمد والصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «.. ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف، لأجبت الداعي».
{قالَ: اِرْجِعْ.}. قال يوسف ردا على طلب مثوله أمام الملك: ارجع إلى سيدك، فاسأله عن حال النسوة اللاتي جرحن أيديهن؛ إذ لا أحب أن آتيه وأنا متهم بمسألة سجنت من أجلها، واطلب من الملك أن يحقق في تلك القضية قبل أن آتيه، ليعرف حقيقة الأمر، إن ربي العالم بخفايا الأمور عليم بكيدهن وتدبيرهن وما دبرن لي من كيد.
فجمع الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز، فقال مخاطبا لهن كلهن، وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز: ما خطبكن أي ما شأنكن وخبركن حين راودتن يوسف عن نفسه يوم الضيافة، أو ما شأنكن الخطير حين دعوتن يوسف إلى ارتكاب الفاحشة؟!