درسه؛ إذ روي أنه تعالى أنزل عليه ثلاثين صحيفة، وإنه أول من خط بالقلم، وخاط الثياب ولبس المخيط، وكانوا قبله يلبسون الجلود، وأول من نظر في علم النجوم والحساب، وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة، فقاتل بني قابيل، وأول مرسل بعد آدم. {وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا} يعني شرف النبوة والزلفى عند الله تعالى، وقيل: الجنة، وقيل: في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة، والأول أصح.
المناسبة:
هذه قصة إدريس هي القصة السادسة من سورة مريم، ذكرت للعبرة؛ لأنه دعا إلى دين الله والتوحيد وعبادة الخالق، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا، وحض على الزهد في الدنيا والعمل بالعدل، وأمر بالصلاة وبصيام أيام من كل شهر، وحث على جهاد الأعداء، وأمر بالزكاة معونة للضعفاء، وغلظ في الطهارة من الجنابة والكلب والحمار، وحرم المسكر من كل شيء.
وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام. فهو من ذرية آدم لقربه منه؛ لأنه جد أبي نوح، وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح؛ لأنه من ولد سام بن نوح.
وجاء في صحيح مسلم في حديث الإسراء أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مرّ به في السماء الرابعة. وهذا هو الصحيح، وأما ما ذكر في البخاري من أنه في السماء الثانية فهو وهم.
ولد بمنف في مصر، وسموه (هرمس الهرامسة) وقيل: ولد ببابل، وأخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، وهو جد جد أبيه. وأقام بمصر يدعو الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الله عزّ وجلّ. وكان يعلّمهم كيفية تخطيط المدن.
أقام في الأرض اثنتين وثمانين سنة، وكان على فص خاتمه: «الصبر مع