الشّبهات الموجّهة إلى الوحي وبعثة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فصاروا منكرين أصول الدّين الثلاث: التّوحيد والبعث ونبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
التفسير والبيان:
يبيّن الله تعالى في هذه الآيات أسباب إعراض المشركين عن الإيمان، وتذرّعهم بشبهات واهية، ومطالبتهم إنزال صحيفة مكتوبة وإرسال ملك يؤيّد النّبي ويصدّقه، وهم في الحقيقة معرضون لا تؤثّر فيهم الحجج والبراهين، ولا يجديهم تنفيذ مقترحاتهم.
إن علّة تكذيبهم بالحقّ هي إعراضهم عن آيات الله وسدّ كلّ منافذ النّظر والفكر، وتعطيل كلّ طاقات الوعي والإدراك، فلو أنزلنا عليك يا محمد كتابا مدوّنا في ورق أو نحوه أو معلّقا بين السّماء والأرض، فعاينوه ورأوا نزوله ولمسوه بأيديهم، لقالوا: ما هذا إلا سحر مبين أي خداع وتمويه وتضليل لا حقيقة فيه.
وإنما قال:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} لأن اللمس أقوى الدّلالات الحسيّة وأبعدها عن الخداع؛ لأن البصر يخدع بالتخيّل. والتّعبير بقوله:{نَزَّلْنا} بالتّشديد، وقوله:{كِتاباً فِي قِرْطاسٍ} وهو لا يكون إلا فيه، وقوله:{فَلَمَسُوهُ} للمبالغة وتأكيد النزول، ثم يعرضون عنه قائلين:{إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ}.
وهذا كما قال تعالى في مكابرتهم للمحسوسات:{وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ، فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقالُوا: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا}[أي حبست ومنعت]{بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}[الحجر ١٤/ ١٥ - ١٥]، وقوله سبحانه:{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً، يَقُولُوا: سَحابٌ مَرْكُومٌ}[الطّور ٤٤/ ٥٢].
هذا هو الرّدّ على اقتراحهم الأوّل وهو تنزيل كتاب من السّماء، ثم ردّ الله على اقتراحهم الثاني وهو إنزال ملك من السّماء يرونه ويكون مؤيّدا له، فقال تعالى:{وَقالُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} أي هلا أنزل الله مع الرّسول ملكا