للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقه الحياة أو الأحكام:

هذه الآيات تبيّن المواقف الثابتة للأمة الإسلامية في علاقاتها الخارجية أثناء الحرب.

فهي أولا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالاستعداد للجهاد، وأخذ الحذر الدائم، وأمر لهم بجهاد الأعداء والنضال في سبيل الله، وحماية الشرع، وديار الإسلام، وتخليص المستضعفين، ومطالبتهم ألا يقتحموا عدوهم على جهالة حتى يستطلعوا ما عندهم من قوى وعدد وعدد، ويعلموا كيف يردّون عليهم، فذلك أثبت لهم، لذا قال لهم: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} وهو تعليم لأسلوب مباشرة الحروب.

ولا ينافي أخذ الحذر التوكل على الله، بل هو مقام عين التوكل؛ لأن التوكل ليس معناه ترك الأسباب، وإنما هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض، واتّباع سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في السّعي فيما لا بدّ منه من الأسباب من مطعم ومشرب، وتحرز من عدو، وإعداد أسلحة، واستعمال ما تقتضيه سنة الله المعتادة. قال سهل: من قال: إن التّوكل يكون بترك السبب، فقد طعن في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الله عزّ وجلّ يقول: {فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال ٦٩/ ٨]، فالغنيمة: اكتساب. وقال تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ} [الأنفال ١٢/ ٨]، فهذا عمل.

وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى يحبّ العبد المؤمن المحترف» (١). وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرضون على السرية (٢).


(١) رواه الحكيم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عمر، لكنه حديث ضعيف.
(٢) تفسير القرطبي: ٢٧٣/ ٥، ١٨٩/ ٤، أحكام القرآن للجصاص: ٢١٥/ ٢، والسرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، سمّوا بذلك؛ لأنها تكون من خلاصة العسكر وخيارهم، من الشيء السري: النفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>