إن هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير والمعين، وهم يقولون من شدّة الألم والعذاب: ربّنا أخرجنا من تلك القرية «مكة» التي كفر أهلها وظلموا العباد، واجعل لنا من عندك وليّا يلي أمورنا، ويستنقذنا، ويحمي نفوسنا وأعراضنا، واجعل لنا من عندك نصيرا يمنعنا من الظلم، وينصرنا عليهم، ويساعدنا على الهجرة، فليس أمامنا إلا بابك الكريم يا الله.
ثم عقد الحق سبحانه وتعالى مقارنة بين أهداف الجهاد عند المسلمين وأغراض القتال عند المشركين. وهي أن المؤمنين يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الله-كلمة الحق والتوحيد والعدل وإنصاف الشعوب، لا من أجل الاستعمار والاستغلال، والتعدي والظلم، وسلب الملكيات ونهب الثروات، كما هو حاصل الآن؛ وأما الكافرون فهم يقاتلون لأغراض وهمية، أو مادية دنيئة، أو شهوانية ذاتية، فهم إنما يرضون وسوسة الشيطان، وإعلاء الوثنية، ومناصرة الكفر، أو يطمعون في الحصول على الغنائم، أو للتفاخر والاعتزاز وإرضاء النفس بمجرد الشعور بالانتصار والغلبة، وتحقيق السمعة والشهرة أمام القبائل العربية.
ولكن المصير المحتوم هو تغلّب الحق على الباطل في النهاية؛ لأن الحق قوي ثابت وجنده أعزّ وأمنع، والباطل ضعيف مهزوم، وجنده أضعف وأخوف، والحق يعلو ولا يعلى عليه، لذا أمر الله تعالى بقوله بما معناه: فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء أو نصراء الشيطان الذين أوهمهم ووسوس لهم أن في الظلم والتدمير شرفا وإعلاء مكانة، ولا تغرنكم قوتهم وأعدادهم وأسلحتهم، فإن كيد الشيطان وتدبيره أو وسوسته كان ضعيفا لا تأثير له عند ذوي العقول الناضجة، والأفكار السامية. وأما أنتم فوليكم الرحمن وناصركم ومدبر أموركم ما نصرتموه، وجند الله هم الغالبون، وحزب الله هم المفلحون.