يشمل العمرة، ومن الذكر: درس العلم، بل هو أجله وأعظمه وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، فضلا عن فضول الحديث، كما قال الزمخشري. والمساجد فيها وجهان: أحدهما-أن يراد المسجد الحرام، وإنما قيل: مساجد؛ لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها، فعامره كعامر جميع المساجد، ولأن كل بقعة منه مسجد. والثاني-أن يراد جنس المساجد، وتشمل المسجد الحرام، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها، فلأن لا يعمروا المسجد الحرام آكد. والمعنى: ما استقام للمشركين أن يجمعوا بين أمرين متنافيين: عمارة متعبّدات الله، مع الكفر بالله وبعبادته. والمساجد في الأصل: جمع مسجد، وهو مكان السجود، ثم صار اسما للبيت المخصص للعبادة. ومن قرأ:
مسجد الله، فأراد به المسجد الحرام أشرف المساجد في الأرض.
{شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} معنى هذه الشهادة: ظهور كفرهم، وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت، وكانوا يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي، وكلما طافوا بها شوطا سجدوا لها. {حَبِطَتْ} بطلت. {أَعْمالُهُمْ} لعدم شرطها وهو الإيمان.
سبب النزول:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال العباس حين أسر يوم بدر: إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحجاج، ونفكّ العاني (أي الأسير) فأنزل الله: {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ} الآية.
وفي رواية أخرى: قد أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر، فعيّروهم بالشرك، فطفق علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوبخ العباس بقتال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول، فقال العباس: تذكرون مساوينا، وتكتمون محاسننا؟ فقال: أو لكم محاسن؟ قالوا: نعم، ونحن أفضل منكم أجرا، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فنزلت (١). والمراد أن الآية تضمنت الرد على العباس وأمثاله، لا أنها نزلت عقب قوله.