للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند أبي الضحى قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} تعجب المشركون وقالوا: إله واحد؟ إن كان صادقا فليأتنا بآية، فأنزل الله تعالى:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر الآية (١).

وجه المناسبة أو الربط‍ بين الآيات:

بعد أن ذكر الله في الآية السابقة حال الكافرين الجاحدين لآيات الله، وحال من كتم الآيات، وعقابهم بالطرد من رحمة الله والخلود في نار جهنم، أتى ببيان سبب الكفر وهو الشرك، وأراد تعالى أن يعالج داء كفرهم بإثبات وحدانية الله بالبرهان، وتعداد مظاهر رحمته وأدلة قدرته، وأن الخير في اللجوء إليه وحده، فقال:

وإلهكم المستحق للعبادة بحق: هو الله الذي ليس في الوجود سواه، والذي وسعت رحمته كل شيء، بيده النفع والخير، وهو القادر على دفع الضر والشر، فلا تشركوا به شيئا، سواء شرك الألوهية: بأن يعتقد المرء أن في الخلق من يشارك الله أو يعينه في أفعاله، وشرك الربوبية: بأن يسند الخلق والتدبير إلى غيره معه، أو تؤخذ أحكام الشرائع من عبادة وحلال وحرام من غيره، كما قال تعالى:

{اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة ٣١/ ٩].

فقوله تعالى: {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته تعالى. وقوله {الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} معناه: المولي لجميع النعم أصولها وفروعها، ولا شيء سواه بهذه الصفة، فإن كل ما سواه إما نعمة وإما منعم عليه.

وإنما خص الله تعالى الوحدانية والرحمة بالذكر دون غيرهما من الصفات، لتذكير الكافرين الكاتمين للحق بأن لا ملجأ أمامهم غير الله لاتقاء عذابه، ولترغيبهم بالتوبة وعدم اليأس من فضله.


(١) أسباب النزول للواحدي: ص ٢٥ - ٢٦، البحر المحيط‍: ٤٦٤/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>