إن الذين كفروا وجحدوا بآيات الله وكذبوا بالقرآن، وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم يستوي عندهم الإنذار وعدمه، فلا تتأثر قلوبهم به، لأنها مغلقة لا يصل إليها النور الإلهي، ولا يشرق فيها إيمان، بسبب تعاميهم عن الحق وآيات الله، فلا ينفذ إليها أثر الهداية والموعظة، ولأنهم عطلوا وسائل المعرفة والنظر والتفكير وإعمال السمع والبصر، فأصبحوا يرون الحق فلا يتبعونه، ويسمعونه فلا يعونه، فكان جزاؤهم عذابا عظيما شديدا لا ينقطع، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
في هاتين الآيتين تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه له، فلا تحسّر عليهم، ولا طمع في إيمانهم، ولا لوم عليه فيهم.
والختم على القلوب بمعنى عدم وعي الحق، وإلقاء الغشاوة على المسامع والأبصار: بمعنى عدم فهمهم للقرآن إذا تلي عليهم، أو بمعنى عدم نظرهم في مخلوقات الله، أو بمعنى أنهم دعوا إلى وحدانية الله فلم يؤمنوا، وكل ذلك إنما كان بسبب كفرهم وجحودهم، لا بسبب في القرآن أو تقصير من محمد أو أحد بعده في هدايتهم، فهم المتسببون لكل ذلك، المعرضون عن استخدام وسائط المعرفة السليمة في اعتقاد الحق والعمل به.
فدلّ تعبير الختم والطبع على القلوب والأسماع والأبصار على تمكّن الكفر في قلوبهم، حتى فقدوا الدّواعي والأسباب التي ترشدهم إلى النظر والتفكّر في أدلّة الإيمان ومحاسنه، وأصبحوا في هيئة أو عادة تألف الجحود والعصيان. وقد أسند الختم على قلوبهم وعلى أسماعهم وأبصارهم إلى الله تعالى، تنبيها على سنة الله في أمثالهم، لا على أنهم مجبورون على الكفر، ولا على منع الله تعالى إياهم من الإيمان بالقهر، وإنما هو تمثيل لسنته تعالى في تأثير تمرّسهم على الكفر وإعماله في قلوبهم،