{وَكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ} أي نعلم بكل شيء، فنجزيه على ما تقتضيه الحكمة، وقد علم الله تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه للخضوع لربه.
{وَمِنَ الشَّياطِينِ} أي وسخرنا له {مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} أي يدخلون في البحر، فيخرجون منه الجواهر لسليمان، والغوص: النزول إلى أعماق البحار لاستخراج اللؤلؤ.
{وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ} أي سوى الغوص أو غيره، كبناء المدن والقصور واختراع الصائع الغريبة، كقوله تعالى:{يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ}[سبأ ١٣/ ٣٤]. {وَكُنّا لَهُمْ حافِظِينَ} أن يزيغوا عن أمره، أو يفسدوا ما عملوا؛ لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل أفسدوه إن لم يشتغلوا بغيره.
المناسبة:
هذه القصة كسابقاتها أيضا فيها تعداد النعم العظمى على داود وسليمان عليهما السلام، فذكر فيها أولا النعمة المشتركة بينهما وهي تزيينهما بالعلم والفهم كما قال تعالى:{وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً} مما يدل على شرف العلم، لتقديم ذكره على سائر النعم الأخرى. ثم ذكر ما اختص به كل منهما من النعم، أما داود فخص بنعمة تسخير الجبال والطير للتسبيح معه، وبصناعة الدروع. وأما سليمان فاختص بنعمة تسخير الريح، وتسخير الشياطين للغوص في أعماق البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان، ولأعمال أخرى كبناء المدن والقصور وصناعة الأشياء الغريبة من قدور ومحاريب وتماثيل.
التفسير والبيان:
ذكر الله تعالى قصة الحكم بين المزارع والراعي، ثم ذكر النعم الجليلة المختصة بكل من داود وسليمان.
أما قصة الحكم كما قال أكثر المفسرين وكما ذكر الرازي: فهي أن راعي غنم رعت غنمه زرع فلاح ليلا، فاحتكما إلى داود عليه السلام، فحكم بالغنم لصاحب الحرث (الزرع) فقال سليمان-وهو ابن إحدى عشرة سنة-: غير هذا أرفق بهما، وأمر بتسليم الغنم إلى أهل الحرث، فينتفعون بألبانها وأولادها وأشعارها، وتسليم