للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرث إلى أرباب الغنم، يتعهدونه بالمطلوب، حتى يعود إلى ما كان، ثم يترادّان. وكان حكمهما باجتهاد.

والحكم في شرعنا في رأي الإمام الشافعي: وجوب ضمان المتلف بالليل، إذ المعتاد ضبط‍ الدواب ليلا، وكذلك قضى النبي صلّى الله عليه وسلم لما دخلت ناقة البراء حائطا (بستانا) وأفسدته،

فقال: «على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظها بالليل» (١).

وفي رأي الإمام أبي حنيفة: لا ضمان إلا أن يكون معها حافظ‍ حارس؛

لقوله صلّى الله عليه وسلم: «جرح العجماء جبار» (٢) أي أن ما تتلفه البهيمة هدر لا ضمان فيه.

أما النص القرآني في هذا الحكم فهو:

{وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ.}. أي واذكر أيها الرسول قصة داود وسليمان حينما حكما في زرع رعته ليلا غنم لآخرين، وكان الله عليما شاهدا بما حكم به داود وسليمان، لا تخفى عليه خافية.

ولكنه تعالى أفهم سليمان القضية والحكومة والفتوى الصحيحة الراجحة فكان رأيه هو الأصوب، مع أنه سبحانه آتى كلا من داود وسليمان النبوة وحسن الفصل في الخصومات والعلم والفهم والإدراك السليم للأمور، مما يدل على إقرار الحكمين في الجملة، وعلى أن خطأ المجتهد لا يقدح فيه، وإن كان الصواب واحدا، وهو ما قضى به سليمان، ودل قوله: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ} على إظهار ما تفضل الله عليه به في صغره.


(١) رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن حرام بن سعد بن محيّصة.
(٢) نص الحديث «العجماء جرحها جبار» رواه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب الستة) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>