ولو شاء ربّك ألا يفعلوا هذا التغرير، ما فعلوه، ولكنه لم يشأ أن يجبرهم على الهداية، بل شاء أن يكون الناس مختارين سلوك أي الطريقين: طريق الخير وطريق الشّرّ، كما قال تعالى:{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد ١٠/ ٩٠] هذا ما يراه المعتزلة.
وقال أهل السّنّة في قوله تعالى:{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ}: وذلك كلّه بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكلّ نبيّ عدوّ من الشياطين.
فدعهم وما يفترون أي يكذبون، أي دع مجابتهم واتركهم يخوضون في إفكهم وكذبهم، ولا تأبه لهم، وامض في تبليغ دعوتك وتأدية رسالتك، وتوكّل على الله، فإن الله كافيك وناصرك عليهم، وعليك البلاغ، وعلينا الحساب والجزاء.
وقوله:{وَلِتَصْغى.}. معطوف على فعل مقدر مفهوم مما سبقه، وتقديره: يوحي هؤلاء الشياطين إلى بعضهم زخرف القول والمموه أو المزيّن منه، ليغروا المؤمنين أتباع الأنبياء، ولتميل إليه قلوب الكفار والفسّاق الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ لأنه الموافق لأهوائهم. أمّا المؤمنون الواعون الذين ينظرون في عواقب الأمور، فلا ينخدعون بأباطيل الأقوال، ولا تغرّنّهم الزّخارف. وضمير {إِلَيْهِ} وضمير {فَعَلُوهُ} راجع إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين.
{وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} أي وليرضوه لأنفسهم، وليترتب على ذلك أن يكتسبوا ما هم مكتسبون من المعاصي والآثام بغرورهم به ورضاهم عنه.
فقه الحياة أو الأحكام:
لن يؤمن الكفار كما سبق في علم الله تعالى، ولو جاءتهم المعجزات العجيبة والآيات البليغة القاطعة الدّالّة على صدق الرّسل. فلو فرض أن الله تعالى أجابهم إلى ما اقترحوه، فأنزل الملائكة إليهم، وعاد الموتى إلى الحياة فكلّموهم، وجمعت لهم