ولا شيء أكبر من ذلك، كالعرش الذي هو أعظم المخلوقات، إلا وهو معلوم له، ومحصى معروف في كتاب عظيم الشأن وهو اللوح المحفوظ الذي كتب فيه مقادير الموجودات كلها.
وفي هذا دلالة إلى سبق القرآن إلى الإشارة إلى أصغر الموجودات في الكون مما لا يدرك بالعين المجردة، وإنما بالمكبّرات، كأجزاء الذرة والجراثيم، ويحتاج تكبيره إلى مئات أو آلاف المرات. كما أن هناك أشياء كبيرة جدا، أكبر من السموات والأرض، وما فيهما، فإن بعض النجوم أكبر من الشمس والأرض والقمر بملايين المرات، والعرش أعظم المخلوقات.
ونظير الآية قوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ، وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}[الأنعام ٥٩/ ٦] أي أنه تعالى يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات، وكذلك الدواب السارحة، وكل ما هو موجود في طبقات الأرض، وأجواء السماء.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن كل من يتأمل في مدلول هذه الآية-ولا يتأمل فيها بحق إلا عالم مؤمن، واسع العلم والأفق والنظر-فيجد سعة علم الله الشامل، ورصده لكل شيء في الوجود، وأعمال جميع الكائنات الحية، والناس قاطبة في البر والبحر والجو، يسيطر عليه الخوف والرهبة، ويمتلئ قلبه اليقين بعظمة الله تعالى، ويدرك أن جميع أعماله محصية عليه، سواء أكانت صغيرة حقيرة أم كبيرة جليلة.
ولو قيل: إن شاشة كبيرة من التلفاز (الرائي) تصوّر جميع حركات الإنسان على أشرطة مسجلة في منزله وغيره، وفي تنقلاته كلها، وإن ما يرتسم على هذه الشاشة وما يسجل فيها من أصوات، سيعرض على حاكم الدولة،